BLOGGER TEMPLATES - TWITTER BACKGROUNDS »

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009

قراءة نقدية في نصّ قلق المشيئة بقلم أ. عبدالجبار علي حسن

قراءة نقدية في نصّ قلق المشيئة بقلم أ. عبدالجبار علي حسن أخصائي موهبة أدبية في مركز الموهوبين في المحرق
أ. عبدالجبار علي حسن





في هذ النص نستشرفُ رغبةً كبيرةً في توسيع دلالات السياق ، هذا التوسيع الذي يجعلُ السياق منفتحاً على جميع الأحداث المتزامنة، وعلى كل المعاني الحاضرة والغائبة التي تشكل في النهاية لحظة فاصلة. هذا ما تقول به النظرية السياقية في المعنى ( The context theorem of meaning ) : وهي ترى في المعنى ضرورة توقع الغموض ( Ambiguity ) في أحاديثنا ونصوصنا . وإلى جانب هذا الغموض يوجد " الاختزال " ( Abridjment ) ، أي أن اللفظة الواحدة لها قوة اختزال معان كثيرة وفقرات يمكن الاستغناء عنها وعدم تكرارها. وهذا ما لم توفق إليه الكاتبة في هذا النص بشكل واضح. فهي لم تقم بإحضار كل الأجزاء التي كان ضروريا أن تغيب عن السياق ، والعكس. إن ما قامت به الكاتبة كان عملية تركيز على استثمار إمكانات العقل الإنساني في التفسير ، وعلى إيثار الخيال والبحث في الصور التي تستحث الدهشة والغرابة بدلا من التركيز على وضوح المعاني والدلالات المباشرة. إن قدرات العقل تتمثل في عملية الربط بين الأشياء التي تفاجؤنا باعتباطيتها. وهذا ما فعلته الكاتبة . إنها تعوّل كثيرا على قدرة القارئ في التخمين من أجل استقصاء المعنى، لتعطل قدرته على المعرفة السابقة للأشياء. لذا وجد الكثيرون في هذا النص كثيرا من الصعوبة في الوصول إلى مناطق " التنوّء" أي مناطق تكوين الأنوية التي تشكل مركز النص. إنها تريد أن تلغي داخل تشكيل لغتها كل محاولة للتوقع، توقع ما ستقول ، كما نحن نعرفها . في كتاب للناقد I.A.Rechards ( كيف تقرأ صفحة ) " How to read a page " 1938" يقول: " في كل القراءات يجب أن يتم التخلي عن شيء، وإلا فلن نصل إلى معنى ...... ومن خلال الإغفال يصبح ما نريد فهمه هو ما هو موجود لنصل إلى كينونته الأساسية " المرايا المحدبة- عالم المعرفة 232 ص 312. ترى وأنا أقرأ هذا النص ، ما يكون ذلك الشيء الذي تخليت عنه؟ وأي شيء منه جعلني أصل إلى كينونة ما قيل فيه" ؟ لقد تخليت عن كل الأنظمة التي كان علي توقعها من كاتبة تكتب قصة قصيرة. جعلني نمط النص ألا أبحث في نظامها الداخلي، بقدر ما جعلني أبحث عن عالمها الداخلي، لم أبحث في أنساق الوظائف والتقنيات المتواشجة مع نظامها الخارجي، إنها خطيئة كبيرة أن تضع مسطرة قوانين اشتغالك على نص لتجبره على موافقتك أو عدم موافقتك له . في هذا النص تجاوز لحدود النمط ، وقد استطاعت الكاتبة عبر عمليات " التجاور " النصي أن تقنن عملية التشويش التي يعرفها البنيويون كنظام . إنها العملية التي تجعل المتلقي يعزف عن خواص التوقع لما ينتظره من النص. هذا بالطبع في وضع القصة التي تسير وفق خطية ثابتة ، تبدأ شرارة وتنتهي بانطفائها أو بإحراق كل شيء، فكيف بنا أمام نص يسبح في عالم هلامي يتكئ على صنوف من الانكسارات داخل لغته من جهة وأخرى داخل عقل الشخصية نفسها. أليس محاولة تفسير ما يحدث هو بداية " لسوء قراءة " ؟ النص هذا بصراحة ينغلق منفتحا ، وينفتح منغلقا ، ينغلق بانفتاحه على رؤية تشكل عالم البطل بشيء من " الحتمي " والقدري ، وينفتح منغلقا من خلال الطريقة التي سلكتها الكاتبة في توصيله لنا. إني مع كل الذين يقولون بأن هذا النص لا يعمل على توظيف أواليات الاستغال السردي، ولكني ضد من يقول بأن هذا التوظيف كان غير متعمد. بين الصورة الكلمة ، تكمن كلمة اللغز ، فنحن أمام صورة تحولت بفعل إبداعي إلى نص، وهذه العملية لا يمكن أن تكون سهلة أبدا، إذ كيف يمكن للكلمة أن تعبر دهاليز العالم الداخلي الذي تجسده " صورة " ، إنه العالم المرئي والمخفي في آن واحد . إننا إذ نفسر اعتباطية النص، فنحن نحاول أن ندمره من مناطق تفجره لا من مناطق سكونه . إن فكرة أن تبلور عالمك الماورائي ، فأنت أمام خيارات صعبة، إما أن تبتكر له صورة تحاكيه ، وإما أن تخلق له صورة لا تشبهه تماما، وهذا ما جعل الكاتبة هنا ، تسرف كثيرا في توسيع نطاقات المحتمل ، والممكن من جهة ، والممتنع من جهة أخرى. في هذا النوع من الكتابة ، تقف أمام دهشتين : 1- دهشة اللغة . 2- دهشة الرؤية والتحكم في مناطق العتمة داخلها. إنه نص تأملي ، ونص من هذا النوع لا يطلب أكثر من أن يكون تفسيرا لللاتفسير ، إنه يكوّنُ داخله أزمة إنساننا في بحثه عن سر انقسامه إلى ذوات كثيرة ، ذات ترتفع إلى أعلى وذات تهبط إلى أسفل ، ذات تتجه للأمام وأخرى تتجه للخلف ... إنه سر التكاثر العبثي ، إنها أزمتنا في البحث عن النهايات التي نريد. إن البطل في قصة " قلق المشيئة " بطل إشكالي، إنه حامل لا محمول، إنه يتحمل وحده تأويل وجوده ، يقول "إيزر " الناقد ، : " إذا كان النص لا يتوافر على عناصر مشابهة ، سواء في العالم التجريبي، أو في قدرة القارئ، فإن معناه يجب أن يتأسس انطلاقا مما يمنحه هو نفسه " . إن موقف الكاتبة من عالمها الخارجي هو ما استطاعت أن تجعله عالما داخليا من خلال عمليات استنزاف لطاقات " المونولوج " الواعي إن صحت الكلمة ، لذا وجب علينا كمتلقين أن نقرأ النص بصيغة إدماجية بين العالمين، ربما نصل إلى حقيقة التوتر التي انشحن بها هذا البطل المتشظي في الصورة واللغة. إن ما يجعل لهذا النص مكانا فريدا بين سنن الكتابة أنه استطاع أن يجعل من عبثية الشكل نظاما خاصا، أوجدته الكاتبة عبر أنساق لغوية ، وإن كانت مسرفة أو متناصة ، فهي تمثل اللعبة الأساس التي تمكنت من تعرية كل أفكار أبطالها المتخيليين أو الحقيقيين، وقبل ذلك هي كانت في مهمة شاقة مع تعرية الصورة وبث الصوت فيها ، بطريقة تجعلنا نرى ما لا تراه .. كل الشكر والتقدير للكاتبة على مشاركتها القيمة في هذه المسابقة ، ولكل من يعبرون هنا ..تحياتي لكم جميعا .. عبدالجبار علي ..

0 التعليقات: