BLOGGER TEMPLATES - TWITTER BACKGROUNDS »

الخميس، 13 أغسطس 2009

مذكرات ميت..!


قد تتقلّص النوايا وتنكمش ، أمرٌ مُحيّر فعلاً ولكن معيّ قد يبدو أكثر غرابةً ودهشة ، إذ أنني أشعر بأن لذاتي لوّن ، طعم ورائحة تختلف عن أكثريتهم ولهذا لا أجد أمامي إلا أن أحمل أدوات الأسئلة الأخرى التي تحتويني وأركض بها في مضمارٍ أنيق يبدو بلا نهاية ، تتزاحم فيه الأضداد فُرادى ، لا يُقاسمني إياه راكضٌ أخر، أعيش اللحظة ذاتها ، وأحتسي نخبها لوحدي ، دون أدنى طقوس الرقص التي تقفز بها جماعات الغجر على أطراف ذاتي.

لغاية لم أتحقق منها ، وربما لم يتحقق منها جلُّ من ركب ذاك القطار ، راحلون جميعاً كُلنا ، راحلون إلى ما لم ندركه يقينا ، كل ما أردته حينها هو زيارة تلك الأرض ، غازيٌ كُنت أم أسيّر لا يهم ، سأزورها ، هنا تكمن إرادتي العتيدة ، أم أنني أدمنت عناد نفسي؟ لا يهم ، ففي كل أحوال الألم ، الحيرة ، الحنق ، الهزيمة ستتقنَّعُ تلك النفس أمامي بالعزة ، سأصارعها وتصارعني ، ستنتهي معاركنا أو لا تنتهي ، ولن ندرك أبدا من منا الفرس ومن السائس.في القطار زحام وضباب ، أحداث وأحاديث وشخير ولهاث ، حتى أنني لم أعد أذكر على فخذي من نشأت ، ولا أذكر على يد مَن مِن الفرسان نلتُ تدريبي ، لكنهم جميعا صاغوا بعيونهم ووصاياهم طريقي . في محطة لم يتوقف عندها القطار اتسع لي المكان ، تقاعد المدربون ، واتخذتُ مجلسي المستقل قرب الممر، حينها وصلتني أنفاس دافئة ، لطيفة ، كنتُ مكلف بمراقبة الطريق ، ورغم ذلك ملكتني تلك الأنفاس بعنفوانها المتصل ، ضغطت على مخيلتي وهي تتحول من الدفء للسخونة ، وحينما وجَدَ العبث طريقه إلى مداركي ، لازمني القلق .

أنا الآن ميت تماماً، أكاتبكم من تحت ركام القبر ، أعترف لكم بأنني أذنبت كثيراً لكنني لا أستحق أن أموت في هذا الوقت وبهذهِ الحادثة العنيفة، أنا لم أكن عنيفا..انظروا إلى الصورة .ستقرئون في عيني البراءة ، ستدركون من خلال الملامح ، أنني ما زلت أطمح للحياة ، وأنني حاقد على تلك اللحظة الخاطئة التي اختطفتني من بينكم ،..لو كنت أعلم من قبل أن نهايتي ستكون هكذا..ما هيأت نفسي للخروج من البيت،..وما فكرت في تلك المشئومة التي تراءت لي في المنام ،..
ذات ليلة ، جلست مابين الفُراقِ والنَزق ؛ أحتضن شتات جسدي المُندثق مع امتشاق الفجر المُظلم ، أملئ فضاء الورق بكلماتٍ عذارى ، تتراقص بين السطور في إختيالٍ مُحبب تصطفيني لئِلا أفقد الأمل في الكتابة ، تُعلمني كيف أكتبُ نفسي وأرسلها للذوّات الأخرى في نسقٍ جميلٌ و هادئ.
تُعلمني أن أكتب شيئاً ما أكبر من ذاتي ، لا يمكنني أن أحده بسطور أو أن أسجنه بين قفا الكلمات ، له رأس ولسانين وجبهتين في أُم عقله وعينٌ واحدة ليبقى الحبل السرّي بيني وبينه محطة اتصاله بالعالم الخارجي.
كالجنين ، أو هو أكثر من ذلك يتغذى من فضائلي الإنسانية وأخرى قد يتقيأ من سموم قاتلة تجبرني أحياناً أن أخوض معتركها .
هذهِ المرة سأكتب بنيّاتٍ متعددة ، فلم يبقَ معي من زاد الكتابة إلا النزرّ اليسير ، نصف عقل ، نصف يد ، نصف لغة بعدما تركتني الأنصاف الأخرى أتمرغ بألمي وحزني معاً . وحتى قلمي قد ذاقَ المُرّ من السيناريو القبيح ذاته . الآن وقد فهمت المغزى ، سأكتب من أجلّ حياة أكثر جدوى و بقلم أبيّض يكسو حبره نقاء ، ذو خطٌ رفيع لـ يبقى شاهدٍ بيني وبينه في زمن دُنس بالخطيئة .

أعلّم..أعلّم بأنني أبدو كأخرق مُشتت ، ولكن دعوني أكمل..أتوق أحياناً لممارسة طقوساً لا تبدو في العادة مفيدة ولا حتى ترضيني ولكنني أفعلها تلبيةً لنداء العقل ، ولا خيار أمامي وأنا قد تجردّت من أنصافي تلك وعشت بالأخرى إلا ما أفعله الآن ، دون أن أنقلب على نفسي انقلاباً لا أستطيع توقع نتائجه . وعليّ أن أتحمّل قليلاً من تعاسة اختيار أوقات غير لائقة للجنس في مزرعة شمالية ، ونهاراً .
لا توجد رائحةٌ تفوح من الجبين لتخبر الناس بأني نبيل ، وأستحق الوصال ، ولهذا لا يعنني الأمر منذ سنوات . طالما أني أيقنت وبالإيمان الكامل بقناعة الرضى عن النفس ، فلا يوجد فرقٌ بين امرأة تأتي مجرورة بأذيال واهيّـة كقناع النُبل على وجهي ، وأخرى لـ ترضى ذاتِها الإنسانية المُجردة إذ إن في كِلا الحالتين ستؤديان الأغراض الجسدية ذاتها بل أن الأخرى تستطيع بأناملها الذكيّـة أن تجسّ وقع اضطرابي وأن تُكلم جسدي بلغةٍ أفصح ، من دون أن تتلعثم بأخلاقها المفترضة .

عرفت تدريجياً أن للجسد حالة فيزيائية ، وللنيات في القلوب يدَّ تتربصّ لتوق الكمال المُطلق ، وهذهِ المساحـة الحرّة التي تُركن في غياهب زاوية ملعونة في عقلي ، ترغمني على الزيّغ في الرُجم أكثر والمبادرة في التساميّ للوصول إلى ذروة الكاهلِ الأعبل ، والأخذ بناصيّتنا إلى طريقٍ لا شريك لنا فيه سِواه ، إنهُ العبث.! وما إذ إنهُ القانون الأكبر الذي يحكم الحياة.
كُلّ شيئاً فيَّ ، يتحفز إلى خارج حدود الذات وفوق الشرع وضد التقاليد ، أجدني خانعاً أمام كُلّ حالات الذاكرة ، نازعاً للبُكاءِ والحنين والجنس ، مثل عازف ضائع . أبحثُ عن مأوى ، وعن موقد ، وعن إصغاء ، وعن أحلام تخليتُ عنها منذ زمن طويل . هكذا يجعلني الشتاء أتوهم أني أملك جذوراً وأعرف أين أقف ، وأجدني في يومه الأول ، غصناً يتبنَاه الرصيف والريح معاً.
وقفتُ ذات يوم ، وعلى مُفترق طُرق من الحياة ، كقشة في مهبّ الريح ، أبحث بين طيّات اللاشيء ، وفي فضاء اللامتناهي ، عن ذرة ذاتي بين حبات الرملّ العديدة ولكنني لم أحظى بشيء . رحتُ أنقر سطح جبيني ، وأقلّب بصري في وجوه العابرين جواري ، وأتساءل وأنا ألمح ملامحهم المثبتة على حالة تذمر مشتركة ؛ تُرى ما الذي يستعجلون حدوثه في هذهِ الذوّات الصحراوية ؟ ستمرّ الليلة ، وتأتي أُخرى شبيهةٌ جداً بسابقتها ، فليس ثمة رحمٌ أكثر إنتاجاً للتوائم المتشابهة في الأجنة ، فلأي شيء يجعلنا نسبق الزمن لنبلغ اليوم الذي يليه إذن؟

كم يوجعنا الشتاء !
ولاسيما معي أنا ، شيء في رائحة الهواء يدقُ في قلبي أجراساً ضعيفة لأبواب لا أفتحها كثيراً إلا في الشتاء ، منذ أول يومٍ يُعلن فيه سُعالي ابتداء الفصل الرمادي مثل ديك الفجر ، أشرّع في العودة إلى الدفاتر الأولى . وإلى التنقيب بين سطور الفصلّ الأول عن الأرقام العتيقة ، وأستجدي الهفوات من النساء القريبات مني ، ليقاسماني الفراش تحت مظلةٍ سوداء وكعادتها كلماتي نفسها في كُلّ شتاءٍ سابق " تجتاحني نوبة حب ، تماماً كنوبة الربو ، فعودي مؤقتاً ، وساعديني "

تتراقصّ الذكريات على سطح ذاكرتي ، كلّما حاولت الإغفال عنها . أفكارٌ رجيمة ، تُصبّ في عقلي من ميزاب شيطانٍ رجيم ، ذاكرتي منه موبوءة ومريرة ، مثل تواريخ البلاد التعيسة ، أذكر يوماً حينما كُنت أتسوّق في أكثر المكتبات ازدحاماً ، وأكثرها وفرة لفرصيّ أشعلت سيجارتي ووضعتها على إحدى الرفوف الخشبية ، و سابقت نفسي أجرّ أذيال الخيبة خارج المكان ، بعدما رفضتني إحداهن متلعثمة بأخلاقها المتحزمة ، ولحظتُ كيف يُعانق الدخان أفاق السماء بكلتا ذراعيه ، يشكوني لبارئه ، وبقلبٍ كقالب الثلج أدرتُ مقوّد السيارة خارج حدود القوس وأنا أتلعثم بالجنون !

استكانت جوارحي وأنا أسرح في خيالي مستحضر صور حياتي وأسرّي في قيد العبودية ، عبودية إنسانيتي وامتهان كرامتي وإذلالي بالشكل الرهيب الذي عشته ، أحسستُ أن للشيطان الذي بداخلي مآرب أخرى ، لا تقضي على من هم حولي فقط ، وإنما هو يسعى لأن يدمر حياتي بأكملها ويجعلني أن أعيش المرارتين في الدنيا و الآخرة .

غربال قاس ، بنبرته وضوحاً لا أفقه منهُ شيئاً ، أو أنني أفقه ولكن أبتعد عن التعمق في التفسير لنفسي أكثر لئلا أتعثر في الظلام وأسقط في هاوية لامحيص منها .
أحياناً أفكر في عاداتي المُسبقة تلك ، وأفكر بماذا لو أعدت تكرارها مجدداً ، أذكر يوماً بأنني خبأت المناقصة التي كانت موكلة لزميلي منصور في سلة المهملات كضرباً بإدبار القدر ، لم أكشف عنها إلا عندما انتهى موعد تسليمها للجهة المسئولة ، حينها قِيّل منصور من وظيفته بتهمة الإهمال.
أكتم في صدري هاجساً يؤرقني كثيراً ، في طفولتي المبكرة أدركت قبح العالم ، حينما صعدت إلى أعلى أغصان شجرة توت ، والتي تتدلى أوراقها لتلامس سطح الأرض ، حينها كنت بدائي الفكر،فكرت ملياً بما يمكنني فعله أكثر من بلوغي لهذا الحد ، أردت حينها أن أتحرر أكثر من سطوة القهر ، جربت أن أصعد أكثر فانكسر الغصن ، ووقعت، وامتلأت بالرضوض ، لكني شعرت بروحي تتخفف كثيراً من هذا العسف اليومي .

أتوق أحياناً على ممارسة طقوسٍ تبدو بالعادة غريبة ، أقفل عينايَّ لكي أستكشف النجوم التي لا أراها إلا عندما يطفئ الناس أرواحهم .

اندس الشك في قناعاتي من جديد ، واستبدت بي حيرة وذهول من ذاتي التي تفقد مصداقيتها في غضون ثواني من اللحظة ذاتِها ؟! أبهذهِ السرعة تتغير النفوس ؟! وأين المبادىء والقيم ؟ أكلها سراب دخان يذهب أدراج الرياح ؟ تساؤلات كثيرة تضج في رأسي أتعبت قواي ، أنهكت عواطفي ، تركتني مستاءٌ من نفسي ، تفترسني الوساوس ، يعاركني الزمنّ يضج ببكائه العويل على ذاتي ، لِما قسوّتُ على نفسي يا تُرى ! لِما رُجمت بذاتي النقية و أستبدلتها من ملاكٍ طهور إلى شيطانٌ رجيم .
تك تك ..
إنها خطوات أقدام تقترب نحوّي ، أجلّ أجلّ..أكاد ألحظها وأسمعها
هل آن الأوان يا تُرى..في اتخاذ قرارٌ أخر ؟
هل سأعود إلى الديار ثانيةً.؟!
آه ..كم كانت مفجعة تلك الميتة..صار رأسي تحت العجلة الخلفية ..!..كنت أراني كما كنت أراكم في نفس الوقت تتحلقون حولي وتضعون أيديكم على أعينكم ، لا بأس أعلم بأن المشهد مُفزع .أحبائي كادوا أن يغتسلوا بدمي لو لم تمسكوهم ، أمي الوحيدة التي لم تستطع البقاء بينكم ، غادرت وهِيَ تحمل صورتي في قلبها وأنا ما زلت أحملها كاملة فيَّ بما تبقى من رميموقفت في الأخير سيارة بيضاء، ولكنها ليست كمثل تلك التي في المستشفيات، نزل منها فريق ، مكون من عدة أفراد ، أستجمعوني وحملوني إلى مستودع الأموات . ياه كم قساة أولئك الذين يعاشرون الأموات..!أخذوا جثتي ، ورموها بعنف هناك في جهة من غرفة مثلجة ، بعدها جاء فريق آخر ، وقصّ بالمشرط صدري ، أستأصل القلب والشرايين ، ثم أخاطوني وهيئوني للدفن .أنا الآن مرتاح من صخبكم ، وضجيجكم أيها الأحياء
ومِنكِ أنتِ أيضاً ، يا ذاتي الرجيمة !

مساء لا يشبه إلا منال وأحمد \ إهداء عذريّ

كــ مساء الحكايا .. كــ مساء الضوء ؛
تسربلنا على شكل رفقــة من البيّــاض..وأغدقنا الجميع بعطرٍ لا يشبه ذوّيه
أن أنصتوا .
فالأرواح قابلة للاشتعال الآن..وقابلة على الاعتناق في عرسٍ ضبابيّ
فــ كانت النتيجةُ حُلم .. خرج من بوتقّـة الظلام وشاع في قلوبكم رحمة .. لا تغادر أفواهكم
إلا لــ تستوطنها من جديد..
هُنا وحيث الحمام..وحيث البيّــاض الذي يسرّد في الأجنّـة طقوسٌ
ترفض الخضوع إلا لــ تتسامى كـ كائنات وميضه .. تتراقصّ في الأفنيّــة وتشيعّ مسرّة أخرى .. كُنا نرتقبها من سنينٍ طوال . و الآن
بل الليلة..سرقنا خبران في آن ، من وشاية الملائكـة . أعلن فرحةٌ لا تشبه إلا البيّــاض ولا تليق
إلا بــ صفصافة الضوء .
خبرٌ.. يتدلى كــ غصون العنبّ على أطراف البداية في الميلاد..وبسعادةٍ قزحيــّـة قدر النهاية في الابتداء..يرافقها لحنٌ أخر..لحنٌ.. لطالما من قبل ..رادته سواها .
كانت .. هِيَّ الضوء..وكان هو طوق الطهارة الذي أحتضن العشب وهو نديّ..وترجم الألوان على شاكلة أُخرى .. كغيمةٌ مبللة ..ترتعش كرقصات الأنامل على لوحـة فنان
لا تليق إلا بها .
ومن بعضي أسرق نفسي..لأكتب لها أبجدية حروف تاهت ولم تمت
من قال أن الحروف تموت حين تُقال ,’
,’
قطفنا بعض من الأحاديث ، الأكثر أختباءاً منكم
و روادناها على مقلتيّ وأن كانت أكثر من أبي يوسف..
من الدكتور مقداد رحيم .. أنفاس تعطر المكان .